الاثنين، 21 ديسمبر 2009

ستارة جدتى

أستيقظت فجأة دون سبب ، لم أكن أحلم بكابوس ، اعتقد أننى لم أحلم بإي شيء على الإطلاق ، نظرت إلي المنبه بجانبي كانت الساعة الرابعة.. مسحت قطرات العرق التي تسيل على جبيني ، قمت وانا مدرك تماما أنها حالة من حالات التوتر والأرق التي تهاجمني منذ فترة لا بأس بها ، اتجهت إلي المطبخ.

لا أعرف ماذا أريد؟

توقفت لحظة حائر ، ولكن يدي عالجت الموقف وأشارت نحو البراد، تذكرت أن ريقي جاف، تناولت زجاجة المياة المثلجة شربت كما لم أشرب من قبل لدرجة أن الماء من قوة أندفاعه قفز من فمي على قميصي وعلى بنطالي ، نفضت بأصبعي قطرات المياه المثلجة ، طعم المياه غير طبيعي

لا أدري لماذا؟

قلت في نفسي " هي جات على الميه" ، تركت المطبخ وتوقفت في الصالة، أقف وحيدا في المنزل ، تذكرت أمي وكم كانت تؤنس وحدتي تلك، ولكنها ذهبت كما ذهب كل شيء جميل ..

أرتميت على الاريكة ضغطت على (ريموت) التلفاز، أخذت أشاهد القنوات المملة التى تعرض كل ما هو مكرر وسخيف وملل ، ومن الغريب أنني أعرف أنه مكرر وسخيف وممل ولكني مازلت أكرر مشاهدة تلك السخافة وذلك الممل

ولا أدري إيضا لماذا؟

أمسكت تليفوني المحمول ....

القائمة --- الرسائل --- صندوق الوراد ..

" حبيبي انتي واحشني أوي"

" يا أحلي حاجة في دنيتي ..بلاش تتاخر في الرد عليا "

" أنا بحبك أوي ومقدرش أستغني عنك"

" وانا كمان يا حبيبي بحبك أوي أوي أوي "

" حبيبي أنا مش قادرة أعمل حاجة، أنا لوحدي ، أنت فين؟"

" متزعلش يا أغلي ما في عمري ، أنا هفضل ليك"

"أنا ....أنا أتخطبت الجمعة اللى فاتت ..الوداع "

صندوق الوارد --- الرسائل --- القائمة

تركت التليفون بجانبي ، تابعت برنامج سخيف على قناة فضائية ، فكرته مقلدة من برنامج أمريكي مثل كل البرامج الاخري ، برنامج مسابقات ، مسلسل عربي ، فيلم أجنبي ، فيديو كليب ، درس ديني ، فيديو كليب أجنبي .

أحسست بان شاشة التلفاز تبهت ، أو شيء ما يحدث في الإرسال، فركت عيني ثم نظرت ، لاشيء !...

عدت مرة أخري إلي سريري ، حملقت في سقف الغرفة ، عادت بي الذكريات إلي أشياء مختلطة ، الجامعة .. المدرسة .. الجيش .. العمل .. وفاة أبي ... وفاة أمي .

أغلقت عيني وجدت نفسي ابن الخامسة أتسلق ستارة جدتي المعلقة على النافذةا فوق سريرها النحاسي الكبير ، كنت لا أحب ستارتها ، ولكني كنت أتعلق بها كي أري الشارع ، وأتابع لعب الاولاد في الحارة، وما يجعلني أكرهها أكتر أنني أشم رائحتها القديمة المعتقة ، ومن تأرجحي ولهاثي يلمس لساني جلدها الخشن المترب، لم أستسيغ طعمها..ولكني كنت مضطر فأنا أهوي مشاهدة الحارة وأهلها .. جدتي تراني أتعلق في ستارتها تزعق وتصرخ وتأتي لكي تضربني .

بدأ يوم جديد وأنتهي بصعوبة يوما أخر ممل ، وجدت نفسي استقر على مكتبي في العمل .. أنظر باتجاه مديري أجده يحذرني من بطيء في العمل وسرحاني الدائم.

أجد زميلتي تمسك (ماج النسكافيه ) وتمليء فمها بالسائل الاسود المرير، وتمسك إيضا أذن زميلتنا الثالثة وتملئها بالحديث الفارغ عن هذه وهذا وهؤلاء ، أنى أسمعها.. أسمع كل حرف مهما خفضت من صوتها ، وسمعتها تتحدث عني أيضا ، وعن هدوئي الزائد عن اللزوم وعن تكشيرتي الملازمة لي أينما ذهبت .ولكني لم أبالي .

أحسست بالورق في يدي خشن كقماش ستارة جدتي .. تناولت كوب الماء امامي ، يا لها من مياه غريبة مذاقها كستارة جدتي البنية اللون وطعمها المترب القديم .

أمسك ورقة بيضاء خشنة كملمس ستارة جدتي وأكتب . "طلب اجازة "

بصعوبة بالغة وافق مديري، وفك قيود العبودية من على رقبتي وأشار لي بالذهاب ، إلي الحرية ، ولكنه ابتسم ابتسامه صفراء معناها أنني سأعود مرة أخري إليه وبنفسي سأعلق في عنقي أساور العبودية مرة أخري .

عدت إلي منزلي الصامت مثلي ، كل شيء أمامي لونه يتغير وملمسه يتغير ، الرؤية غير واضحة باهتة وكأن أمامي زجاج متسخ ، كدت أنقلب بالسيارة أكثر من مرة قبل انا أصل سالما إلي المنزل.

دخلت غرفتي ، أخرجت من الدولاب علبة كرتونية مربعة ، رأيت صوري وأنا صغير وجدتي تحملني وخلفها الستارة العتيقة ، رأيت صورتي مع والدتي ووالدتي وأنا أرتدي فانلة بيضاء وشورت رصاصي قصير ، وجوارب رصاصية وحذاء أسود لامع .

وفي قاع العلبة رأيت صورة كانت ممزقة ولكني أعدت تجميعها مرة أخري ، وهي صورة صاحبة الرسائل .

قطعت كل الصور التي أنتقل إليها ملمس ستارة جدتي الخشنة .

رأيت كل حيطان الشقة لون الستارة البنية ، لمست شفتي بلساني المتشقق ، لم أكن أحس بهما كل ما أحسسته هو قطعتي قماش خشن معتق .

صعدت إلي سطح البناية العالية تأملت الشمس التي تموت خلف الجبال آخر المدينة ، رأيتها في انفاسها الأخيرة، ولكنها ستأتي غدا وبعد غد، تمنيت أن أكون مثلها أموت وأتجدد في اليوم التالي ، أعتليت سور البناية وقفزت ، لم أري الأرض وهي تقترب ، ولم أسمع صفير الهواء يملأ أذني ، ولم أحس بجسدي وهو يتحطم والدماء تتناثر على الاسفلت الاسود، كل ما أحسست به أننى هربت من ستارة جدتي .

"تمت"

الأحد، 6 ديسمبر 2009

قصة شجرة الهواجس



كنا نري الشجرة من أي مكان في القرية ..كانت عالية و أوراقها باهته، أصفرار اوراقها أكثر من أخضراره ..

لحمها (خشبها) يميل إلي السواد.. سمعنا عنها الكثير من آبائنا .. وهم سمعوا من أجدادنا ..

توجد رواية تقول أن الشجرة والحديقة والبيت ملك لرجل عجوز كان غريب الاطوار يلبس السواد دائما ..وبسبب هيئته الرثة لم يجد سوي النفور والبعد من أهل القرية ..

ولم يجد من يساعده أو حتي يمد له يد العون عند مرضه.. يقولون أن الرجل العجوز مات وهو محتضن الشجرة ..أو هي التي أحتضنته.. لم يجد أهل القرية سوي أن يدفنوا الرجل بجانب شجرته الوحيدة داخل حديقة منزله..

بعدها بسنوات بدأت تلك الظواهر الغريبة تحدث، كان جيران المنزل يهربون ويتركون كل شيء ورائهم .. بسبب ما يحسونه من بغض وكراهية عندما يمرون بجانب الشجرة ..ليس نحوها أنما نحو أنفسهم !!

فقد كان الاخ لا يغضب من اخوه الذي يمشي بجواره إلا عندما يكونا بجوار الشجرة البغيضة ، هما كانوا يسمونها هكذا، والأب الذي يشتهر بالحلم والصبر يضرب ابنائه ويعنفهم أمامها.

ومنذ كنا صغار كانت جدتنا تحكي لنا حكايات مخيفة عن الشجرة .. وأمي عندما تريد أن تدخل الفزع في قلوبنا حتي لا نخرج في الليل ، تذكر قصة الشجرة التى أذا أقتربنا نحوها ستجلعنا نقتل بعضنا البعض..

فهي تولد الكراهية والحقد والبغضاء لدي الانسان، " ولماذا لم يقطعها الكبار يا جدة " قلتها وأنا أضع كفي على خدي .. وجسمي كله متجه نحو جدتي ..

أبتسمت وقد القت نيران المدفأة ظلال هادئة على وجهها الغضن جعلها ملاك تحيطه هالة من النور، مسحت رأسي بيدها وقالت:

" منذ سنوات قبل ميلادك بقليل، حاول رجلان اسمهما "مندور وزهران" فعل ذلك، كانا أكثر الناس شجاعة وأكثرهم ضررا بسبب تلك الشجرة لأنهم أقرب الناس أليها في القرية ، وفي صباح يوم غابت فيه الشمس وغطي الضباب كل شيء، حمل كل منهما فأسه وأتجها نحو الشجرة، ولكنهم أختلفا على من يضرب أول ضربة ، لا نعرف لماذا أشتد النقاش الذي تحول إلي عراك، وخرجنا من المنازل على صرخات زوجاتهم ، ووجدناهم مضرجين في دمائهم تحت الشجرة البغيضة" .

شهقت من الخوف وارتميت في حضنها وأنا ارتعد وقلت

" أنا اكره تلك الشجرة يا جدتي ".

غمغمت :" الكل يشعر بذلك يا حفيدي ، ربما تعاملهم بالمثل " .

******************************************

في صباح يوم مشمس خرجت أنا وأختي الصغيرة إلي المدرسة ، وأخذت أقص لها ما يقولونه عن تلك الشجرة الغامضة .

هزت رأسها وأشارت لي أن أتبعها ، فخرجنا عن طريق المدرسة ، ووجدتها تعرج ناحية المنزل والشجرة السوداء ، صرخت فيها ومنعتها ، تركت يدي وجرت نحو المنزل وأخذت تلتف حول المنزل حتي وجدت فتحة صغيرة في السور الخشبي المتهالك فدخلت منها.

وانا مازالت أصيح محذرا اياها ، فوجئت بها تفتح زجاجة المياة التي تحتفظ بها داخل حقيبتها وتسكب الماء رويدا رويدا حول الشجرة ، التي هُيء لي أن أوراقها تتحرك وتلمع مع كل قطرة مياه تسكبها الصغيرة، ولكن ساقها مازال أسود مكفهر.

خرجت أختي من الحديقة وهي تلهث من فرط إثارتها ، قلت لها بعد أن عنفتها:

" أنك مجنونة كيف تفعلين ذلك ، ألم تخافي على نفسك؟ "

ابتسمت وقالت في خفوت" لا تقل لأحد، أنا أفعل ذلك كل يوم " .

نظرت لها للحظة غير مصدق ، ثم نظرت نحو الشجرة التي طالما أخاف منها، لم أتكلم كلمة واحدة وجذبتها من يدها بعنف واتجهنا إلي المدرسة.

مر اليوم الدراسي، وقد لاحظت أن "شيماء" لم تأتي وهي بنت في مثل سني وتدرس في نفس فصلي ، وعندما خرجنا من المدرسة

وجدنا أناس كُثر وأصوات عالية تزعق وكل هذا يحدث أمام بيت الشجرة ، فقد أصبح المنزل منزلها بعد ممات الرجل العجوز، جريت أنا وأختي لنري ما يحدث.

سمعت من الكبار أن الشجرة جعلت "بهلول" المجذوب يعترض طريق الصغيرة " شيماء" ويوسعها ضربا حتي نزفت ، أرسلوا في طلب الاسعاف.

وجاء "والد شيماء " وأمسك رقبة المجذوب " بهلول " وكاد أن يبطش به ..لولا أن فض الناس بينه وبين المسكين المجذوب ، وصاح أحدهم:

" السبب ليس المجذوب، فهو مجذوب لا يعي شيئا ، كل المشاكل تأتي من هذه" واشار بأصبعه نحو الشجرة الملعونة ..

انتفض الناس جميعا غاضبين وكأنهم منتظرين لحظة كهذا ليتحدوا ويتخلصوا من خوفهم نحو تلك الشجرة ومنها في نفس الوقت، وقرروا أن يحرقوها عن بعد حتي لا تأثر عليهم بهواجسها ، وأتوا بالمشاعل.

ولكن أختي خرجت من الجمع ودخلت الحديقة ووقفت عند الشجرة ، أخذ الناس يزعقون ويهتفون بإسمها، والحريم صرخوا متوقعين مصير الفتاة المسكينة، ولكنها قالت بصوتها الضعيف الصغير :" لن تفعل لي شيء " .

أخرجت زجاجتها وسكبت الماء عليها ، أخذت أصوات الناس تتعالي رافضين ما تفعله تلك الفتاة الجريئة ، أتجهت نحو أختي وكأني مسحور ، وأخرجت زجاجتي وأقتربت من الشجرة العملاقة دون خوف أو هلع تلك المرة .

وفعلت مثلما فعلت، وزعقت في الناس:

" أفعلوا مثلنا، اعطوا الحب لكي يموت الكره داخلها " .

**********************************************

تراصَّ الاطفال أمام جدهم وهو يسرد لهم حكاية شجرة الورد الكبيرة ، وقالوا جميعا:

" وماذا حدث ياجدي ، بعد أن فعلت البنت الجريئة ما فعلت هي وأخوها" .

قال وهو يضحك:" صدقوا الناس حديث الطفلين يا أحفادي ، وبدأوا يهتموا بالشجرة والمنزل ، وأختفي السواد من الشجرة ، وأينعت وأخرجت الزهور ذات الألوان الجميلة ، وأصبحت الحديقة مزار وملعب للأطفال والكبار ، تظلل عليهم في النهار، وتأتي بالنسيم العليل بالليل.

" وتوته توته حلوة ولا ملتوته ؟..."

ضحكوا الاطفال وصفقوا في جذل قائلين في نفس واحد " حلوة ، حلوة" .

أبتسم الجد وتذكر أخته الصغيرة التى أصبحت جدة كبيرة وشجرة الهواجس التي أصبحت شجرة الحب والورد.

تمت

أحمد الفلكي

الغردقة ..

الساعة 1:15 صباحاً.

الاثنين، 29 يونيو 2009

أحلام فترة البطالة


حلم 1 __________________الامتحان __________________

كنت أستعد للذهاب إلي الامتحان..معي القلم..المسطرة.. الممحاه، نظرت للساعة...قد حان الوقت..الأمتحان يقترب... تركت كل شيء... وجريت..في طريقي للمدرسة...
الطريق مستقيم طويل ... وكأنه لا ينتهي..الوقت يمر... والعرق علي الجبين يتطاير ...أقترب سور المدرسة...والوقت يمر... وصلت إلى البوابة... وجدت أصدقائي..يتسكعون أمام البوابة...
فصرخت: هيا إلي الأمتحان..الوقت تأخر...
نظروا إلي وكأنني مجنون...وقالوا :الأمتحان!!
ووضع أحدهم يده علي كتفي وضحك قائلا:
ــ النهاردة أول يوم في العام الدراسي.....

ذهلت وتعجبت..ولكن مازال العرق عل جبينى مستمر......

***************************

حلم 2 __________________الشيخوخة __________________

جلست على كرسي الخشبي العتيق...هانذا هنا في منزلي المتهالك..أحتفل بعيد ميلادي الستين...
أجلس وحدي في منزلي المتحطم..
أجلس ومعي صندوق ذكرياتي..

أجاهد لأفتح الصندوق بمفتاحي النحاسي الأصفر...

أفتح الصندوق..أمسك صوري أجدها بيضاء...
ما هذا لا اصدق....

كل الصور بيضاء...

أنتزع من الصندوق جواباتي ومراسلاتي مع حبيبتي القديمة ...

أجد الورق أبيض.....

رميت الصندوق...ودمعة حزن تسيل على جفني...

وأكتشف أن كل حياتي الماضية كلها تساوي صفر...

أصبحت أملك ذاكرة فارغة بيضاء...

***************************

حلم 3_________________ البحر __________________

كنت أمشي علي شاطي البحر الهادي..بحرنا يدعي هكذا (البحر الهادي) ...أركل حجر صغير أمامي..وكل مرة يأتي الموج محاولا أن يلاطفني في قدمي.ولكنه في سرعة يختفي كما ظهر...وفجاة سمعت صرخة كبيرة آتية من قلب البحر...فرآيت رجلا يستغيث ومحاط بأربعة من الفتيات فاتنات الجمال.دققت النظر..فأكتشفت أن هذا الرجل هو كريم صديقي العزيز..
فوجت نفسي أخلع ملابسي وأردت أن أنقذه..ولكني تذكرت أني لا أعر ف العوم..
كريم تزداد صرخاته تخرج دماء من جسده..وجدت الفتيات تبرز أنياب ومخالب..وتكاد تفتك بصديقي,,,تجمدت في مكاني لا أعرف ماذ أفعل..رأيت مركب صغير بجانب الشاطيء..جريت نحوه ولكني توقفت مصعوقا فقد كانت جثة كريم صديقي بداخله وقلبه منزوع من مكانه....
نظرت مرة أخري لم أري كريم في البحر ولم أري فتيات البحر المسعورات...

***************************

حلم 4 __________________الحذاء __________________

كنت أمارس رياضة المشي في الشارع كعادتي كل صباح...حول البيت.. وكلما أعبر بجانب أحد...أراه يضحك..ويشير علي ..فتعجبت من موقف الناس مني... فنظرت إلى ما يشيرون فرأيت نفسي حافيا دون حذاء ...فخجلت من نفسي..واتجهت بسرعة إلى منزلي مرة اخري..ووضعت المفتاح في الباب ..فلم يفتح..فسمعت حركة من الداخل ..فظننت أنه يوجد لص بالداخل..وقبل انا افعل شيء..خرج من الباب رجلا ضخم الجثة.....فقال بصوته الأجش:ماذا تريد؟
قلت له"ماذا أريد؟..هذا بيتي..
قال: أنه بيتي انا..هيا أذهب من هنا...

خرجت من البيت ..وأنا متأكد انه بيتي..ولكن لم أستطيع فعل..شيء...
نظرت للأسفل ..فوجدت الحذا ء في قدماي..فضحكت وخرجت من الشارع كله...

***************************

حلم 5_______________ قطار الرحيل _________________

رأيت حبيبتي تخطو فوق الرصيف العالي..وكأنها تحادث نفسها..تضحك تارة..وتبكي تارة أخري..حاولت أن أقترب منها..لم أستطيع..حاولت مرة ثانية وثالثة ورابعة..ولكنى لم أفلح..فاستسلمت وظللت أراقبها...إلى أن وصلت لكوبري فوق البحر..فتدلت بنصفها الأمامي تنظر شاخصة في مياه البحر..تسرب لقلبي شعور باليأس..في محاولة إنقاذها من المجهول..وقبل أن تقفز..والدموع تتساقط من عينيها وتنظر للقمر وكأنها تناجيه كما كنا نفعل في الأيام الخوالي..وقبل أنا أحاول أنقذها.. أمسكني رجلا متشحا بالسواد من تلابيبي..وقال بصوت عميق:أنت هنا ..لقد يئست من إيجادك..هيا فلقد تحرك القطار...قطار الرحيل من هذه الدنيا..وأنت تهرب من أيام ..لما لا تقتنع بأنك ميت منذ زمن..هيا بنا..هيا..
استلمت له وأنا عائدا معه نظرت إلى الخلف..لم أجد حبيبتي فوق الكوبري..فعرفت أنني سأقابلها قريبا..

***************************

حلم 6 __________________ المرآه__________________

تأنيت في خطواتي أمام المعجبين.. وتأملتهم في غرور وعظمة..فرأيتهم يلتقطون لي الصور وهم سعداء يلوحون لي ويشيرون نحوي ..توجهت نحو الستارة الضخمة التى جئت خصيصا لأفتتح ما وراء الستارة، ذلك الشيء الغامض الذي تكلم عنه الناس منذ زمن...وعندما بدأت في جذب الستارة..بدأ القوم يصفقون في جذل وحماس كبيران..ولكني أصابتني الصاعقة وأنا أري أمامي مرآة ضخمة..ولكن ليس هذا الذي أدهشني ..وإنما وجدت نفسي عاريا دون ملابس وأنا أنظر إليها..حاولت غلق الستارة مرة أخري..حتى لا يري المعجبون ذلك الموقف المخجل ..ولكني لم أستطيع..وأستمر الهتاف والتصفيق يدوي في أذني ..

***************************

حلم 7 ________________ الكرسي__________________

جلست على كرسي الوزارة أتحسسه ..فقد كان المنصب الجديد ينعكس مظهره ورونقه على وجهي السعيد..تذكرت أيام شقائي الماضية...تذكرت النفاق والرياء والأكاذيب والمجاملات التافهة..وكم عانيت من تغيير الأقنعة حتى أتقلد المناصب ..ومن قتل ضميري الصارخ ألف مرة حتى أصل لهذه الدرجة الرفيعة..جاءوا الموظفين الكبار يهللون ويتغنون بأمجادي ويتغزلون بأعمالي وبطولاتى{كما يقولون! }..وعندما خرجوا أحسست بضيق وصعوبة في التنفس والعرق يسيل من خلف ظهري..أدرت التكييف..ولكن حرارتي ارتفعت..تشبثت بالكرسي الجديد..ولكن قلبي لم يسعفني وتوقف عن الدوران..ووقعت تحت الكرسي وعلى شفتي ابتسامة نادمة عن كل ما حدث...

***************************

حلم 8__________________ الكنز __________________

وجدت نفسي في طريق مظلم ..كل خطوة فيه تصدر منى آهة خافته ..أكتشف أنني أخطو على طريق من الزجاج المكسور..أمامي الكنز المفقود في نهاية الطريق..شيطاني يردد في داخلي :أستمر..أستمر..
أتبع شيطاني وأمشي على الزجاج..والدماء تسيل ..والآهات تعلو وتعلو..أستمر ..أستمر..
يختلط الدم بالزجاج فيلمع الزجاج تحت أضواء السماء السوداء..وقبل أن أصل إلي الكنز بخطوة..كانت أخر قطرة من دمي نفذت..وخرج أخر نفس في صدري..

***************************

حلم 9 __________________ القاعة__________________

دخلت القاعة وأنا مبهور الأنفاس .. متهدج الصوت..متوتر ..بما سأشهده في الداخل من عالم مختلف تماما عن الخارج..فهنا الصفوة من القوم..سأكل أكلهم وأشرب شربهم وأفعل مثلهم..فقد عبرت الخط ما بيننا وبينهم..حاولت أتعرف عليهم أتحدث إلي أحدا منهم.ولكنهم لم يجبوني ولم يعيروني أدني اهتمام..وكأني هواء لا أحتل إي فراغ..
صرخت حتى أجذب انتباههم ..ولكن دون جدوى..فتحت بوابات القاعة وخلعت عني ملابس الصفوة..وعدت إلي مكاني ..حتى أحس بقيمة وجودي..

***************************

حلم 10__________________ القطيع _________________

تعلقت بيد أمي ونحن نمشي وسط القبيلة في طريق ضيق..وأخذت أقفز حولها وأبعد تارة وأقترب منها تارة..فرحا سعيدا بهذه الرحلة المفاجئة..وقلت لها: إلي أين نذهب يا أمي؟
: لا أعرف.. فقلت:ولماذا رجال قبيلتنا يسرعون في الخطي.. :لا أعرف..
فازدات حيرة: أهم خائفون من شيء .. :من المجهول..
ومن هو المجهول..عادت لجملتها المقتضبة :لا أعرف..
وقبل أن ألتفت للعب مرة أخري..أحسست بالدماء تسيل على يدي .وجسدا يرتطم بي ويغطيني ..وفي الظلمة المصطنعة سمعت صرخات الرجال قبل النساء..وأصوات تراشق الأسهم في الهواء.. وأصوات وحشية مخيفة وكأنها قادمة من قلب الجحيم..تحوم حولي تتشح برياح باردة مميتة..حاولت أن أخرج من الظلمة ولكني لا أستطيع..خرجت بعد ساعة ..فوجدت قبيلتي مُبادة على أخرها.. ورأيت جسد أمي البارد الذي كان يغطيني ويحميني حتى في مماتها..وسمعت زئير قادم من بعيد..فانكمشت حول نفسي واحتضنت جسد أمي الفارغ كفرع شجرة..

***************************

حلم 11_________________ المجهول _________________

عدت مبكرا من درس اللغة الإنجليزية..وقد كنا انتقلنا جديد في هذا الشارع..وقبل أنا أدخل إلي المنزل، يجب أن أعبر هذه الحارة الطويلة المظلمة، وأنا في وسطها أحسست بأشياء تبعث أحساسات كريهة ، تجعلها تطفو على الجلد.. حملقت في أخر الحارة فرأيتهم أمامي، تراجعت للخلف ولكني تجمدت مكاني؛ لأن بعض منهم يقفون من الناحية الأخره.. ألقيت بالكتب على الأرض، وجلست مكاني منتظر مصيري.

***************************

حلم 12__________________ العجز __________________

تأملت البحر الأزرق الشفاف أمامي ...ونظرت إلي الأفق البعيد..فلم أجد ما أبحث عنه...أمسكت حفنة من الرمال البيضاء ..أحسست بقوتها في قبضتي ...وشعرت بالنعومة في نفس الوقت عندما تركتها تنسال من بين أصابعي ...يا آلهي ..ما الذي افعله هنا...ومن أتى بي إلي هذا المكان الساحر...
لعله القدر..لعله أنا...من قُدت نفسي إلي هنا...لا أدري...
لماذا لم أتى له منذ زمن ..رغم أنى أعرفه جيدا ..وأمر به بسيارتي كل يوم...لماذا لم أتمكن من اكتشاف هذه الطبيعة الساحرة؟!...

المياه تناديني ...والأمواج تطلق تحديها على الصخور وتطلب نزولي إليها لمنازلتها في هذه الحلبة الزرقاء الكبيرة..كدت أن أتحرك ولكن قدماي لم تلبي أوامري ..حاولت مرة أخري....

أفقت من غفلتي ..ووجدت أنني أجلس على كرسي المتحرك..فوق الصخرة..وعاجز تماما عن الحركة..
عندها عرفت لماذا لم أتى إلي هنا؟..وعرفت أيضا أن الطبيعة تنادي من لديه الإحساس بها ..وليس العكس.

***************************

حلم 13__________________ الفراق _________________

صوت البحر يملأ أذني ، وحبيبتي بجواري أتأملها ، تنظر لي باسمه، " هيا نمشي قليلا" هي قالت ذلك، خطونا فوق حبات الرمال اللامعة المبللة بدموع البحر الجريح الثائر، لا ندري أن كانت تلك دموع الفرح لبقائه أمد الدهر صامدا، أم دموع الحزن لوحدته الأبدية يتخبط بين صخوره وشواطئه، تحدثنا كثيرا، أنا وهي، حلمت بعش صغير، وبأولاد وبأسرة ، ثم نظرت لي وهي تضحك " هيا نسبح قليلا" هي قالت ذلك، خلعنا ملابسنا، المياه باردة، حملتها فوق ذراعي، ضحكاتها ترن في عقلي ، قطرات المياه المبللة تتساقط من فوق عينيها ، أسنانها البيضاء تملأ وجهها الخمري، أحس البحر بالغيرة، موجاته ازدادت ارتفاعا، ضحكاتها مازالت تملأ جنبات البحر، تهرب مني بدلال، أحاول أن أمسكها، تتراجع في خفه، رغم علو البحر وغضبه، أختفت تحت موجه عالية، ظلت ابتسامتي على وجهي ثابتة، تلفت حولي متصورا أنها تلعب معي ومختفية تحت الماء، ناديت عليها لم أجدها، هدأت موجات البحر الغادرة، وسكت البحر عن صرخاته ، وتركتي وحيدا ، بعد أن أخذ حبيبتي، شممت رائحة السخرية وأنا أخرج إلي اليابس، " هي نفترق قليلا" هي قالت ذلك.

***************************

حلم 14_________________ اللحمة _________________

دخلت السوق المزدحم، وتعجبت من هذا الازدحام الشديد، على الرغم من ازدحام السوق كل يوم، ولكن هذه المرة ازدحام فوق العادة، اخترقت الكتل البشرية الثقيلة وكأنها مازالت تتعلم الخطو، سمعت صوت الرجل في مكبر الصوت وهو ينادي على بضاعته،" حطمنا كل الأسعار ، الكيلو ب 5جنيه ، كيلو اللحم ب م 5جنيه، أقرب يا غلبان، أكل ولادك ب5 جنيه"..
اقتربت أكثر وأنا سعيد وغير مصدق، كيلو اللحم ينخفض من 40 إلي 5 جنيه ، كيف يعقل هذا؟، وجدت نصبة كبيرة وحولها الناس صفوف منتظرين نصيبهم من هذه اللحمة الرخيصة، دققت النظر في اللحم المعروض، أغمضت عيني وفركتها ثم نظرت مرة أخري، أطلقت صيحة فزع وأنا أتراجع ، اكتشفت أن اللحمه المعروضه ما هي إلا بني أدمين معلقين على خطا طيف بدون رؤوس ومسلوخين تماما عن جلودهم ، رأيت صبي الجزار يقطع ذراع ثم يضعها على الميزان ويصرخ قائلا : 3 كيلو آقطع يا أستاذ..
هربت من كل هذا ، ودخلت محل الجزارة الذي أتعامل معه دائما ، فحمدت الله عندما وجدت لحم البهائم معلقا كما هو، وتعلق نظري بصاحب المحل ، وكأنها تستغيث به من هذا الجمع المتوحش خارج المحل ، سألته عن الذي يحدث خارجا ، فرأيته حزينا لكساد بضاعته منذ عرض اللحوم الرخيصة في تلك الشوادر حول السوق كله، ولكنه تلفت يمينا ويسارا وقال لي في خفوت: أنا أعرف طلبك يا بيه ، تعال معي ..
وجذبني لداخل المحل وفتح الثلاجة الضخمة .. وقال : أنا عارف أنك بتحب لحمة الرأس ، أختار اللي أنت عايزه، وأنا هشفيه وأجهزه.

هنا فقط تجمد الدم في عروقي وتقيأت ما بجوفي ، من هول ما رأيته ، رأيت رؤوس بني آدميين مكومة فوق بعضها متلطخة بالدم الأحمر الأسود المتجلط.

نظرت للمعلم ، ثم تركته دون أن أنطق بكلمة واحدة .

***************************




أحمد الفلكي
-------------------------
مصر لسه بخير
-------------------------
فليتحرك القطار من المحطة................